وعام آخر ينصرم، يلحق بأسلافه، نودّع معه جزء من أعمارنا، ويضاف إلى مساحة الذاكرة. نغمض أعيننا في لحظاته الأخيرة، فتُستعرض معه كل السنوات، ونعجب كيف لسنوات طويلة تمر بنا كشريط سريع، نراه في مخيّلتنا الخصبة، ونستمع إلى رنين موسيقاه بفرحها وحزنها،...
نحيا بالشهيد، والشهيد يحيا فينا. رغم مرور السنين، ما زالت دموع العاطفة والشوق تترقرق في عيون الأحبة، يتحدّث الواحد منهم عن شهيده، فتشعر أن روحه تفيض بين يديه، وكأنّه فارقه للتو. لله درّكم أيّها الشهداء، أي أثر تركتموه في النفوس، فلا ينطفىء جمر...
وعلى قلب الزمان مالت الأحمال وفي اللحن ماذا يقال؟ اهد الحب لمن شئت وكيف شئت كن رجلا ولا كل الرجال اسمع أنين الطفل الباكي وحنين صوت الشيخ الشاكي والبس عباءة من نور تظلّلك يوم لا ظلّ واجعل في دروب الناس خيراً وإن كان ما تملكه صفراً فالخير بالخير يعود...
في صندوق سحري خبّأت مرآتي وطلبت منها أن تحرس بعض الذكريات بعضاً من وشوشات العتمة والقمر وألحان الساحرات وبعضاً من فتات مهجتي وترتيل وآيات سيأتي يوم تسبقني فيه الكلمات تغالبني، تعاتبني تقول لي هيهات هيهات والعمر قد انتصف والمشوار شارف على النهايات...
وللشتاء في النفوس دفء وحنين، وصرير أبواب ونوافذ تقفل، وموقد يعطر الأجواء برائحة البخور… وسماء ننتظر الخير من شحوبها، عسى أن تغسل به ألم الأرواح المتمردة على زمن ثارت فيه الوحوش من مخابئها، وتقمّصت بأرواح بعض البشر. لنا مع الشتاء حكايات الزمن...