ماجدة ريا
بين حب الأنا ونكرانها صراع كبير، جُبلت عليه النفس الإنسانية. هي حالة يعيشها معظم البشر وإن بدرجات متفاوتة، تصل عند البعض نكرانها إلى حد سحق الذات، وعدم الإهتمام بها، وعند البعض الآخر إلى حد الإنتفاخ، وعند فئة من الناس إعتدال يتأرجح صعوداً ونزولاً، يخفُّ ويقوى ويبقى الناس متمايزون في هذا الأمر تبعاً للتربية الذاتية التي تتلقّاها تلك النفس الإنسانية.
نعم، للتربية الذاتية دور كبير في تهذيب النفس وتشذيب ما يعيبها ويعيقها عن الصعود والتسامي في أداء دورها الإنساني الذي يجعلها تتكامل مع المجتمع.
السؤال الذي يطرح نفسه: “هل يجب نكران الذات إلى حد سحقها؟ أم يجب تركها تتعاظم؟ والإعتدال هل يمكن أن يكون كيفما اتفق؟”
أولاً لا بدّ من الإهتمام ب “الأنا” اهتماماً كبيراً، دون الدخول في الأنانية التي هي عاهة مدمّرة للذات الإنسانية على كل الصّعد، نهتم بالأنا نربيها، نعلّمها، نثقّفها، نبحث في سبل المعرفة، لأن الإنسان خُلق ليكون عزيزاً مكرّماً، محترماً، ” إنّ العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين جميعاً”، وهذا يتحقّق مع وجود الإيمان الحقيقي الذي يرسم لهذه النفس مسارها كي تحقِّق غاية وجودها؛ فإذا ما نظرنا إلى كثير من القواعد والأقوال التي بلّغتنا بها الرسلات السماوية وخاصة ما ورد من أحاديث شريفة مثلا: “ما نقص مال من صدقة”، “زكاة العلم تعليمه”، وغيرها من الأحاديث التي تحث على العطاء دون خوف من إفلاس أو إملاق، وأن فاعل الخير يعود إليه مضاعفاً، فالحسنة بعشرة أضعاف، والتجارة مع الله سبحانه وتعالى دوماً رابحة لا خسران فيها، سيكون الإنسان عندها معطاءً دون تردّد، الثقة المطلقة بالله سبحانه وتعالى تجعله لا يخشى شيئاً، والمجهول بالنسبة له سيكون خيراً أياً يكن طالما أنّه من عند الله، إذاً كثرة العطاء تجعل الإنسان يكبر ولا ينسحق شرط أن يكون هذا العطاء خالصاً لوجه الله سبحانه وتعالى وليس لغاية دنيوية يُراد تحقيقها، فمن يريد خير الدنيا بما يُقدّم يؤتى خير الدنيا، ومن يريد خير الآخرة يؤتى خير الدنيا والآخرة، وهنا تمتاز صدقات السر على أنواعها عن صدقات العلن، لأنها وقعت في عين الله وحده وهو الذي يجزي بها.
أما سعي الذات للكسب بكل شكل متاح، ولتحقيق غاياتها وطموحاتها ليس فقط دون مدّ يد المساعدة لمن يحتاجها، إنما قد يسعى البعض إلى تحطيم كل ما يقف في وجهه من أجل ذلك، همّه الوحيد المصلحة الشخصية، غير عابئ بمصلحة الناس أو المجتمع، هنا تتجلى الأنانية الفردية بأبشع صورها، هؤلاء أعمت الدنيا بصائرهم، يظنون أنّهم يحقِّقون أمانيهم، والحقيقة أنهم يعيشون الحياة الدنيا في كدر، ولم يحسبوا حساب الآخرة، فهم نسوا الله سبحانه وتعالى في الدنيا فينساهم في الآخرة.
وهناك فئة تسعى بين هذا وذاك، تعمل الخير، وتسعى به بين الناس، ولكن حب الذات لا يزال يتنازعهم، والنفس بطبعها تسعى للتفاضل مع غيرها، والأفضل لهذه النفس أن تقتنع بأن “لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى” و “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” فكم من مجهول في الأرض معروف في السماء، فالسير نحو الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى جد وتعب، ويكفي أنّه العالِم بحال العباد، وما تضمر النفوس.
جعلنا الله من الجادين في السير إليه، الطامعين بما لديه، ومن الصادقين بقولهم اللهم أخرج حب الدنيا من قلوبنا ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا، فما أسرع الرحيل عنها.
13 آب 2022
عدد الزوار:1177