المواقع الإلكترونية الثقافية: نوافذ إلى عالم الكلمة

المواقع الإلكترونية الثقافية: نوافذ إلى عالم الكلمة

تعتبر المواقع الإلكترونية العربية ذات الطابع الثقافي، والتي يمكن اعتبارها ذات قيمة قليلة مقارنة بالمواقع الأجنبية ذات التخصص ذاته، أو المواقع العربية الترفيهية البعيدة عن الثقافة.

إنه عصر الإنترنت، عصر السرعة وثورة المعلومات، كما لو كان الكون علبة صغيرة، مختزلة في صندوق سحري، يوصلك، حيثما تشاء في لحظات، دون أدنى عناء.

وهذه التقنية التي باتت غاية التطور في العالم، والتي اجتازت مراحل عديدة، لا تزال في عالمنا العربي في طور الإكتشاف، والبناء، وببطء لا يواكب التطورالحاصل في العالم الحديث. ولعلّ من أكثر الأسباب تأثيراً في ذلك هو أن أسعار الإتصالات في الدول العربية هي الأكثر ارتفاعاً على مستوى العالم، رغم أن معدلات الدخل الفردي فيها هو الأقل، مما يجعل الأمر غير متاح لشريحة كبيرة من المجتمع العربي، أضف إلى ذلك أن الإهتمام الرسمي من قبل هذه الدول لم يرقَ بعد إلى المستوى المطلوب، في تشجيع الناس ومساعدتهم في الإنضمام إلى هذا العالم الرقمي.

تطالعك المواقع الإلكترونية الثقافية على الشبكة العنكبوتية بأشكال لا عدّ لها ولا حصر، فهي موجودة بكثافة في عالمنا العربي، رغم أننا لا زلنا في البدايات، إذا ما أجريت مقارنة مع المواقع الأجنبية من حيث الكم والنوع.

المواقع الثقافية أنواع ، منها المواقع الثقافية الرسمية الخاصة بدوائر الدولة، مثل دائرة التربية والتعليم، أو المواقع التي تهتم بالآثار في كل بلد، أو المواقع التي تخضع للإدارات الرسمية في الدولة، وهناك المواقع الثقافية التي تعنى بشتى أنواع الثقافة، ويقول فيها الكاتب رجب أبو سرّية (1) ” إن غالبية المواقع الثقافية هي إما صفحات إلكترونية أشبه بالمكتبات، تتكدّس فيها النصوص، من غير تنظيم، ولا تعاد قراءتها وفق أصول معرفية أو منهجية، أو هي مكتبات ينخرط في إطارها مبدعون برسم التحقق، هي أشبه بغرف الدردشة العامة، ولا تختلف عنها سوى بطبيعة أعضائها الذين يعدّون أنفسهم مثقّفين.”
هذه المواقع الثقافية تقوم إما بجهد الجماعة وإما بجهد فردي، وأحياناً يتفوّق الموقع الذي ينشأ بجهد فردي على غيره من المواقع كما هو الحال مع “موقع القصة العربية” وهو موقع قام بجهد فردي أنشأه الأديب والكاتب جبير المليحان من السعودية، هذا الموقع يضم مئات الكتاب العرب، من مختلف أقطار الدول العربية، والذين يهتمّون بكتابة القصة القصيرة، وهو من المواقع الثقافية الناجحة جداً في العالم العربي. وعن سبب إنشاء هذا الموقع يقول مؤسسه الكاتب جبير المليحان “إن المواقع الثقافية على الإنترنت تشكّل مهرباً من قيود الصحافة على الرغم من أنني لا أتعدى الخطوط الحمراء في كتاباتي إلاّ أن بيروقراطية بعض الصحف جعلتني أتّجه للإنترنت عبر موقع القصة العربية” (2).

ولمثل هذا الموقع حسنات كثيرة، فهي تقرّب الكتّاب العرب بعضهم من بعض، وتعرّفهم على بعضهم البعض، ويتبادلون الخبرات والآراء في المساحة المتروكة للتعليق وراء كل عمل، فيتوحّد الجميع تحت راية العروبة.

والمواقع الثقافية التي تنشأ بمجهود فردي، قد تُنشأ للعامة كما الموقع المذكور، وقد تبقى خاصة بمنشئها ، وهي الأكثر انتشاراً ، بحيث يقوم المرء بإنشاء موقعه الخاص به ، ويضع فيه إنتاجه الخاص، وهذا ما يحصل عادة مع الشعراء والأدباء والفنانين… والمعنيون بالأمور الثقافية يشجّعون عادة مثل هذه المواقع، بل ويدعون إليها، لأن الموقع الشخصي للأديب أو الشاعر يتحوّل إلى آرشيف مهم، فيسهّل على الآخرين الإطّلاع عليه، والتعريف بشخصه وأعماله ، وحفظها بشكل جيّد، كما يسهّل على الباحثين أعمالهم في البحث والتنقيب، وتسهّل على الدولة حفظ تراث هؤلاء ..

وإنشاء الموقع الفردي هو عمل متوفّر لكل من يرغب بذلك، إذ يقول الناقد سعد يقطين (3) “أن الجديد في الفضاء الشبكي يكمن في أنه في إمكان أي كان أن يكون له “موقعه الخاص” في الواقع الإفتراضي ، وبهذا الإنجاز يتجاوز الإحتكار الذي كانت تمارسه من قبل كل المؤسسات ومختلف الوسائط، محققاً بذلك عالماً جديداً من التواصل المتاح للجميع وخصوصاً إذا كان هذا الجميع ملماً بـ ” ثقافة المواقع” وله إمكانية لإحتلال موقع مفترض ما وفي أي مجال من المجالات.”

وهناك المواقع الثقافية التي تعرف “بالمنتديات”، والمنتدى الثقافي يضم عادة العديد من الأقسام من أدب وشعر وقصة وصور وغير ذلك، يدير هذه الأقسام أشخاص مشرفون يتلقّون المواد التي تنشر من الأعضاء الذين ينتسبون إلى المنتدى، وكثيراً ما يُعلّق على هذه المنتديات ويأخذ عليها المآخد لأسباب عديدة أهمّها أن المنتدى يتحوّل مع الوقت إلى مجموعات من الأشخاص يقومون بالتعليق على أعمال بعضهم البعض إما بالمجاملات الفاضحة والمزيفة وإما بالهجوم عليها. وفي معظم الأحيان تصدر هذه الأحكام دون موضوعية وإنما نسبة إلى رضا الأشخاص عن بعضهم البعض، وتصف الأديبة بثينة العيسى (4) هذه العلاقات بأنها “محكومة بدرجة من الأريحية المكذوبة، والفضائحية المزوّرة، شيء يحوّلنا كأعضاء إلى مراقبين لبعضنا البعض ويحوّل المنتدى إلى مدينة أشباح.”
كذلك بالنسبة للأمور السلبية المأخوذة على المنتديات تقول بثينة العيسى “إن المنتديات تفتقر إلى رؤية أو منهجية أو توجّه معيّن طالما أنها تتكىء بحضورها على مئات الأشخاص الذين لا يربطهم شيء، لا هدف مشترك ولا رؤية مشتركة ولا حتى لغة مشتركة إذ لا يمكنك أن تتوقع من تجمع عشوائي كهذا الكثير.”

وأياً يكن الأمر، فإن المنتديات الثقافية تبقى مكاناً مهماً يجتمع فيه المثقّفون من أجل إبداء آرائهم وعرض أعمالهم ومشاركة الآخرين في الإطلاع على ما يقدّموه، وبالتالي هو وسيلة تواصل إيجابية ويمكن أن تقدّم الكثير من الفائدة لمجتمعاتنا العربية خاصة إذا ما تم تحديثها وتطويرها وترشيدها بالإتجاه الصحيح. ولعلّ الخبرة التي يكتسبها المعنيون بهذا الإختصاص والذي لا يزال في بداياته في مجتمعاتنا، ستؤهلهم لإستدراك المفيد منها مع الوقت.

بشكل عام فإن المواقع الإلكترونية العربية ذات الطابع الثقافي، والتي يمكن اعتبارها ذات قيمة بحسب ما يقول الباحث الإماراتي سلطان بخيث العميمي تعتبر قليلة مقارنة بالمواقع الأجنبية ذات التخصص ذاته، أو المواقع العربية الترفيهية البعيدة عن الثقافة.
وعن طبيعتها يقول الدكتور عمر عبد العزيز (5) “أنها تتطوّر تباعاً، وأن المعالجات البصرية لهذه المواقع تتناسب إجمالاً مع الثقافة البصرية السائدة عربياً وهي بطبيعة الحال أقل كثيراً من الثقافة العالمية لجهة التصميم والحساسية تجاه الفراغ واستكناه الألوان.”
وعن أهمية دور شبكة الإنترنت بما فيها من مواقع إلكترونية، تقول الأديبة شيخة الناخي (6) “أنها أضحت أداة اتصالات سريعة وفاعلة أسهمت بدور كبير في توثيق العلاقات الرسمية وغير الرسمية محلياً وعالمياً لدى المؤسسات والدوائر والجماعات والأفراد.”

هذه المواقع الثقافية تساهم بشكل كبير في دعم وتسهيل تبادل الأفكار والمعلومات والبيانات مما يؤدي إلى تعزيز الروابط بين دول العالم وشعوبه، إنها وسيلة اتصال سحرية، يمكن أن تنقلك في ثوان إلى أي مكان من العالم لتغترف منه المعلومات التي تريد، فهي تحتوي على ملايين الكتب والمعلومات، وهناك محركات البحث المتطورة جداً والتي تسهل على الباحث جمع المعلومات التي يريد، لأنه يتوجب عليه أن يعرف كيفية البحث عن المعلومات كي لا يضيع في الزحام الموجود.

ويبقى الأمل في أن تستفيد مجتمعاتنا العربية من ثورة المعلومات هذه، ومن هذه التقنية المتطورة بشكل أفضل، وأن تسعى لتسهيل الإستفادة منها لكل فرد، بما يواكب التطور الحاصل في العالم.
ماجدة ريا

المصادر:
1- رجب أبو سرية: كتاب الإنترنت بين التساوق والإتساق.
2- جبير المليحان: موقع القصة العربية.
3- سعد يقطين: ناقد من المغرب ( موقع اتحاد كتّاب الإنترنت العرب).
4- بثينة العيسى: أديبة ( موقع اتحاد كتاب الإنترنت العرب).
5- د. عمر عبد العزيز: مصادر المعرفة والفضاءات المفتوحة_ (موقع الهدف الثقافي).
6- شيخة الناخي: رئيسة رابطة أديبات الإمارة. ( موقع الهدف الثقافي).

عدد الزوار:4136
شارك في النقاش

7 تعليقات

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.