زيّن الملعب الكبير بأشد ما يلفت انتباه الأطفال من الصور الكبيرة الملونة والبالونات والألعاب… وامتدّت الزينة في الممرّات المؤدية إلى صفوف الروضات، أما داخل الصفوف فبدا كل شيء ملفتاً لجذب انتباه الطفل وإدخال السرور إلى نفسه.
عند الإنتهاء من هذه الإستعدادات، أخذت الحادقات نفساً عميقاً، نظرن إلى بعضهن بإشفاق من يوم الغد، فمعظمهن كنّ يعرفن ماذا يمكن أن يحدث في مثل هذا اليوم، يوم استقبال الأزاهير التي ما برحت متشبّثة بأمّهاتها، تخشى الإنسلاخ عنها.
قالت إحدى المربيات لفدوى وهي مربّية قديمة وقديرة: “غداً يوم صعب”
” نعم… يجب أن نستعدّ له جيداً بالراحة التامة”
وقفت كل واحدة من المربيات عند باب صفها وقد علّقت عليه لائحة بأسماء تلاميذها من أجل استقبالهم، وبهدوء أعصاب وسط الصراخ المتعالي تبذل كل جهد ممكن من أجل تهدئة الأطفال.
كانت فدوى تشعر أن أصعب تلك اللحظات هي لحظة ترك الأم لطفلها أو طفلتها، فهي اللحظة العصيبة التي يراها الطفل لحظة انفصال أبدي، وأنه قد لا يرى أمه ثانية! فيعلو صراخه وبكاءه استنكاراً… (ودرجة نجاح إسكاته في مثل هذه اللحظات تتفاوت من طفل لآخر على مقدار تعلّقه بها، ومدى استعداده لهذا الإنفصال المؤقت، ويهون هذا الأمر مع الأطفال الذين هُيّئوا لذلك من خلال وضعهم في دور الحضانة قبل انتقالهم إلى المدرسة… ومهما يكن من أمر فإن الأوقات الأولى لمثل هذا النهار تبقى أجواؤها مشحونة… إلاّ أن الخبرة كانت تسهم في إرساء الهدوء بسرعة أكبر…)
كانت فدوى تبدو قريبة جداً من هؤلاء الأطفال بوجهها الطفولي وروحها المحبّة، فتحمل هذا، وتسرّ لآخر بضع كلمات في أذنه، هذه تجرها بيدها، وأخرى تتشبّث بثوبها والجميع يردد “بدّي ماما” وتحاول تهدئتهم من جديد بصوت حنون “سنعود إلى ماما… بعد قليل يأتي الأوتوكار ويأخذنا إلى ماما”
تعود لتقفز بينهم كأنها طفلة مثلهم، فتشدّهم حركاتها الطفولية وينسَون لدقائق شجن فراقهم، ولا يلبثون أن يتذكّروا من جديد، فيعود بعضهم إلى البكاء ثانية فتنشد لهم بصوتها الحنون أنشودة جميلة تسكتهم، وما بين أنشودة ولعبة وقصّة تسير أمور نهار هو الأطول بالرغم من أن دوامه أقصر من أي يوم آخر من أيام العام الدراسي كلّه!
أثناء اللعب تقدّم منها طفل شعره أشقر، عيناه خضراوان، فمه دقيق ناعم، جمال الطفولة يشع من عينيه برونق غريب، سألها بنبرة امتزج فيها الرجاء مع البكاء ” اعملي معروف افتحي لي الباب، أريد أن أرى الملعب.”
رق قلبها لكلماته، حملته ووقفت قبالة النافذة قائلة “انظر، هذا هو الملعب.” لم يعجبه ذلك، فهو يريد الخروج من الصف، ولكن بطريقة ذكية إذ سرعان ما قال “أريد أن أرى الملعب من الجهة الثانية، أريد أن أرى الشمس.”
لمعت عيناها، فاجأها ذكاؤه في الطلب وتميّزه عن الآخرين، ابتسمت له وهي تهدّئه قائلة:
” سنخرج جميعاً إلى الشمس عندما يهدأ رفاقك، لنكمل لعبتنا أولاً.”
لا تعليق
اتمنى لك مزيد من التقدم والازدهار , رائعة مواضيعك وتستحقين الثناء , مع خالص احترامي وتقديري .
………. سامي
شكراً لك أخي الكريم سامي
مع أطيب التحيات