إنه الحادي والعشرين من شهر آذار.
أفاقت أم سليمان صباح هذا اليوم على همسات الحلم الذي داعب جفنيها في ليلة أرادت أن تكون فيها بعيدة عن العالم، فتبقى هناك بالقرب من روحها وفلذة كبدها.
طوال المساء كانت تقلّب ألبوم الصور الذي يخصّه، صوراً تنبض بحياته التي اختارها أن تكون أبدية، فلا تنتهي حتى لو غادر الدنيا.
وتتذكر كم كان يبتهج عندما تقول له “الله يرضى عليك يا ابني” ، كانت عيناه تضحكان، ويصفّر فرحاً كعصفور يطلق أغاريده في رحاب السماء فيدور حولها وهو يحيطها بذراعيه ويقول “يا أحلى أم في الدنيا”.
لم تنسَه يوماً، كان معها في كل اللحظات، لكن في هذه الليلة، كانت تحاول أن تستذكره في كل دقائقه ولحظاته، في كل كلماته وحركاته، وكانت تدرك أن صباح هذه الليلة ليس كأي صباح، وكم كان يهتم لمثل هذا الصباح!
شجرة البنفسج التي زرعها في الحديقة تشهد على ذلك، والياسمينة أيضاً، كما شُجيرات الورد الجوري، تعرف ملمس يده جيداً، كم اعتنى بها، ورغم أن الورود لا تحب أن تُقطف، كانت تفرح في مثل ذلك النهار، وتختال أمامه، كل تريد أن تكون في الباقة التي يقدمها لها كعربون وفاء وحب لا يكفيه أن يعبّر عنه بالورود.
وكانت تعلم أن صباح الغد مختلف، وأنه بداية لاحتفاء من نوع جديد. بقيت صورته تداعب جفنيها طوال الليل، بابتسامته الواثقة التي لم تفارق ثغره أبداً، صورة بدت لها محاطة بالورود.
كان دائماً السبّاق لمعايدتها في مثل هذا الصباح، تذكر كلماته التي حفظتها حرفاً حرفاً “أحب أن أكون أول من يعايدك، ويفتح عينيك على الورود” فتبتسم وتجيبه “الله يجعل أيامك كلها بجمال الورود” فكان مسكنه جنة الخلود.
تنهّدت بزفرة خرجت من أعماق القلب المشتاق لرؤية الحبيب، وأسرعت خطاها نحو الحديقة، حيث كان يسبق الجميع ليقطف تلك الباقة، وقفت في الوسط، وأخذت تدير عينيها في شجيرات الورود التي ارتفعت منتصبة، كأنها تبادلها النظرات… وعندما دقّقت النظر، رأت بعضها وهو ينحني…
وتساءلت ما سر ذلك؟
هل هذه الورود تنحني لي لأنني “أم” وجئت أبحث عن لمسات ابني عندها؟
أم لعلّها تمدّ عنقها لي كأني بها تقول “خذيني إليه”؟!
بحنو بالغ، تقترب من تلك الورود، تُشكل منها أجمل باقة، وتكمل طريقها نحو روضة الشهداء.
ماجدة ريا
21/3/2007
عدد الزوار:2348