ماجدة ريا ـ
لم يكن الرحيل عادياً، كما لم يكن الحضور.
ما هو سرّ هؤلاء الأشخاص؟ هل هم تميّزوا بالشهادة؟ أم الشهادة اختارتهم لتعلّق وسامها على صدورهم؟
عندما ننظر إلى تلك الجموع البشرية التي احتوشتهم بقلوبها، وإلى تلك العيون التي فاضت بالدمع تأثّراً بالفراق، وإلى تلك الأيادي التي كانت تتغالب للمس النعش الطاهر تبركاً، نعرف بأنّهم ليسوا أشخاصاً عاديين، ورحيلهم ليس كأي رحيل.
إن الله سبحانه وتعالى يصطفي من عباده من يشاء، ولكن هذا الإصطفاء له قاعدة واضحة، فهو يختار المخلصين والأبرار، ومن عمل صالحاً سيحصد نتائج عمله في الدنيا والآخرة، فيعلو شأن هؤلاء المصطفين بعلو عملهم، وبدرجة إخلاصهم لله أولاً، ولقضيّتهم التي آمنوا بها فارتفعوا ليكونوا شهداء عليها، وعلى الآخرين… ليصبحوا القدوة والمثال.
ذلك البريق الذي يلمع في عيونهم، والذي يزداد توهّجاً في قلوب المحبين بعد أن يغمضوها، وكأنّها تغمض على سرّ لا يعرفه سواهم، وتلك الإبتسامة التي ترتسم على شفاههم وهم يغادرون هذه الدنيا بسلام، رغم ألم الجراح، لا البريق ينطفئ ولا الإبتسامة تزول، فما الذي يراه هؤلاء الأبرار، وما الذي يجعل السكينة تطفو على وجوههم إلى حد الإبتسام والسرور؟ أهي الحجب التي تتكشّف لهم فيروا مقاماتهم؟
لماذا عندما ننظر إلى وجه الشهيد يختلج القلب بكل تلك المشاعر الجيّاشة حتى لكأن هذه اللحظات هي لحظات ولادة وليست لحظات سفر بعيد، لكننا نعرف بأنهم يولدون في عالم جديد، يغادرون بأجسادهم الطاهرة، ويتركوننا نبحث عن وجودهم في كل مكان، فأرواحهم تسكننا منذ لحظة الفراق، ونحن ننتظر أن يرأف هؤلاء الأبرار بأحوالنا، فيذكرونا في عليائهم، ويتشفعوا لنا عند الله، إنّهم الأخيار المصطفون الأبرار.
إنّ العلاقة بين هؤلاء الأشخاص وبين الشهادة علاقة تكاملية، اختاروها فاختارتهم، أو العكس، فلا يلتحق بركب الشهداء إلاّ من استحقّها، وعمل لها، ووطّن نفسه على استقبالها بابتسامة الواثق بربّه ونفسه وقضيته، فمضى بنفس مطمئنة، وعندها نستذكر الآية الكريمة التي تقول: “بسم الله الرحمن الرحيم ـ يا أيتها النفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ـ صدق الله العلي العظيم”
هنيئاً لنفس عاشت في رضا ربّها، وعادت إليه راضية مرضية، مدعوّة إلى الجنة الإلهية التي وعدوا بها، من إله لا يخلف الميعاد.
عدد الزوار:1884