آه يا أمي! آه… (قصة قصيرة)

ورود ملونة
من أجل كل الأمهات اللواتي يفتقدن أولادهنّ خاصة في المناسبات، لنقف ونذرف معهنّ دمعة، فقد رحل أبناؤهم كي نعيش نحن… كل عام وأنتم بخير.

آه يا أمي! آه… (قصة قصيرة)
التحفت الشال الكبير، وخرجت مسرعة تحثّ الخطى باتجاه الحديقة.

نظرت هناء إلى أختها فدوى ولوّت برأسها يمنة ويسرة، وقد اغرورقت عيناهما بالدموع وهما تلاحقانها بقلق، بينما كانت تسير دون أن تلحظهما. 
الطقس بارد جداً خاصة في هذا الوقت من الصباح الباكر، وقد تلبّدت السماء بالغيوم تنذر بقدوم العاصفة.
وقفت عند سور الحديقة بكل هدوء تنظر إلى المدى المفتوح أمامها، الهواء يحرّك كل شيء، حتى أوتار قلبها المرتجفة، وقد ضمّت يديها على صدرها حتى لا يخرج هذا القلب من مكانه، وهي تسمع عنف دقّاته المتصاعدة، فتتمتم شفتاها ببعض الآيات القرآنية لتهدّئ من روعها، وتتمثل لها الزهراء عليها السلام ومصائبها، فلا تجزع.
لحقت بأمّها، وقفت عند المدخل وهي تشعر بالأسى واللوعة، فهي تعرف كم كانت أمها متعلّقة بأخيها، وهو كان أملها الوحيد في هذه الدنيا.
آه ! كم تعلّقت به أيضاً، هي وأختها فدوى، فمنذ أن استشهد والدهما منذ سنوات، كان أملهم وملاذهم، وكل شيء جميل بالنسبة لهم، كان نور المنزل وضياءه، بحنانه، بعطفه، بحبه، بكل حركة من حركاته.
سار على خطى أبيه، حتى الرّمق الأخير.
ترك استشهاده فراغاً كبيراً في حياة العائلة، لا يسدّه شيء، سوى التصبّر بالله والتّعلق بالآخرة.
لا زالت واقفة تنظر إلى أمها، وقد تعلّقت عيناها في السماء، كأنّها تبحث عن تلك الروح الهائمة، أو كأنّها تراها ولا ترى شيئاً سواها.
هزتها من كتفها: “أمي… “، التفتت الأم إليها، ربّتت على يدها، وابتسمت من بين تلك الدموع.
“سنسهر وحدنا هذه الليلة”
“لا يا عزيزتي، لئن غاب جسده، فروحه معنا، موجودة هنا… تسكن في داخلي، في أعماق قلبي، صورته لا تفارقني أبداً”
غصّت هناء بدموعها، وقلبها يردّد: “كان الله في عونك يا أمي”
انتبهت على صوت أمّها تكمل حديثها:
“عزيزتي، أريدك أن تجهّزي العشاء كما كان يحبّه، ولتذهب فدوى وتحضر بعض الورود من محل الزهور، أريدك أن تزيني الطاولة بالورود والشموع بما يليق بحضور روحه معنا.”
“حاضر يا أمي، حاضر، لكن أرجوك أن تدخلي إلى الدار فالبرد شديد”
” لا تقلقي يا عزيزتي، فحرارة قلبي كافية لأشعر بالدفء!”
هزّت هناء رأسها وخرج صوتها مجرّحا بالألم: “آه يا أمي! آه…”

ماجدة ريا ـ 31/12/2015

عدد الزوار:2744
شارك في النقاش

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.