خجل عند الكبار أم حياء: هل الخجل هو ذاته الحياء؟ والحياء هو الخجل؟
لعلّ الأمر يلتبس لدى البعض فيظن أن الخجل والحياء واحد، في الوقت الذي يقع كل منهما على طرفي نقيض.
وإذا كان الخجل هو حالة مرضية يصنّفها علم النفس تحت عنوان أمراض القلق والتوتر، فإن الحياء هو حالة من الصحة النفسية الجيدة، وهو خلق يبعث على ترك القبح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، كما أنه متلازم مع الإيمان فالحديث الشريف يقول: “الحياء والإيمان قرنا جميعًا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر”.
ومن المعروف أنه إذا أردنا أن ننتقص من قيمة شخص ما قلنا فيه “إنه من دون حياء”، وهذا يعني أنه يفتقد إلى صفة جيدة يمكن أن ترفع من قدره في حال وجودها.
أما القول بأن “فلان خجول” فهذا يعني أن هذا الشخص يفتقد إلى القدرة على مواجهة الأشخاص والمواقف، وهذا يعني أنه في حالة غير جيدة ويحتاج إلى معالجة للتخلص من هذه الحالة.
إذاً الحياء مطلوب بينما الخجل مرفوض، وقد عبّر البعض لشرح التباين بين هذين الحالتين بالقول: “إن الخجل هو شعور بالنقص داخل الانسان, فيشعر أنه أضعف من الآخرين، وانه لا يستطيع مواجهتهم حتى ولو لم يفعل شيئا خطأ، أما الحياء فهو شعور نابع من الاحساس برفعة وعظمة في النفس”.
فالشخص الذي يملك الحياء هو شخص مدرك لأبعاد الأمور، وعلى درجة عالية من المعرفة والاطلاع والثقافة بما يجب أن يفعل، ويعرف أن رفعة النفس تكون بالمحافظة عليها عزيزة كريمة فلا يوقعها في الخطايا، والشخص الذي يملك الحياء يستحي أن يرتكب الإثم لأنه يعرف حرمة ذلك، وهو لا يحب ذلك لنفسه فيترفّع عن الشوائب، خاصة المؤمن فهو يستحي أن يواجه ربّه بذنوبه، وحياؤه هذا يزيده ايماناً ورفعة.
فالحياء هو الذي يزيد الإنسان وقاراً وهيبة ويجعله محبوباً بين الناس، لأن الشخص الذي يمتلك الحياء لا يفعل ما يخل بالمروءة والتوقير. ولا يؤذي من يستحق الإِكرام، ويفعل ذلك حباً بالله وكرهاً بالمعصية.
والحياء هو من صفات النفس المحمودة، هو رأس مكارم الأخلاق، وزينة الإيمان، وشعار الإسلام. كما أنه دليل على الخير، ومخُبْر عن السلامة، ومجير من الذم، ويجعل صاحبه يتحلّى بصفة من صفات الأنبياء والصالحين.
أما الخجول فهو شخص مختلف تماماً، وهو تنقصه المعرفة والقدرة على التصرف السليم، فخبراء الصحة النفسية يردّون ذلك إلى فقدان المهارات الاجتماعية والنظرة السلبية للنفس والذات، أي أن الشخص لا يثق بقدراته أياً كانت حتى لو امتلك ما هو أفضل من غيره، ومثل هؤلاء الأشخاص هم بحاجة للإرشاد والمساعدة من أجل التخلّص من خجلهم، ولا بد لهم من البحث عن كيفية إصلاح ذواتهم من أجل إبعاد شبح الخجل عنهم، والأمر يحتاج إلى قرار ومصارحة مع الذات، ومن ثم امتلاك الإرادة لتنفيذ ما يريد.
من المهم أن يعلم الشخص الخجول أن كل فرد معرض لأن يخطئ بلحظة ما أو في مكان ما وإن بدرجات متفاوتة، والإنسان يتعلم من أخطائه، فيجب أن لا يخجل من عدم معرفته لأمر ما، وإنما عليه أن يسأل عنه كي يعرفه، وليس بالسؤال وحده يستطيع استعادة ثقته بنفسه إذ بإمكانه أن يوسّع آفاق مداركه من خلال وسائل المعرفة المنتشرة بكثرة من الوسائل الإعلامية المتعدّدة والمتنوعة إلى الكتب والمجلات المفيدة أو الخضوع لدورات ثقافية، ولكن عليه أولاً أن ينظر إلى نفسه ويحدّد مواطن الضعف لديه، فيحدد بذلك ما يحتاج أن يعرف، وما هو الأمر الذي يربكه أمام الآخرين ويتسبب له بالخجل في مواجهته، فيحاول أن يقرأ أو أن يعرف أو أن يسأل عن هذا الأمر حتى يتيقن في قرارة نفسه من امتلاك معلومات يثق بها فتعطيه الثقة بنفسه، وبالتالي الثقة بمواجهة الاخرين.
من المفيد له بحسب خبراء علم النفس إجراء مقارنة مع الآخرين، بينه وبين نفسه، فيعمل على تطوير ذاته قدر ما يستطيع، وأن يثق بما يفعل، وبما يستطيع أن يفعل، كما يجب أن يعرف أن هؤلاء الناس مهما اتسعت معرفتهم وخبراتهم فإنهم بشر محدودو المعرفة، وهذه المعرفة تتسع وتضيق من شخص لآخر، وهو بإمكانه أن يكوِّن المعرفة التي يريدها عندما ينظر إلى نفسه على أنه انسان قابل لأن يتعلّم ويتفاعل مع المجتمع، فلا ينظر إلى الناس برهبة.
في مرحلة أولى يمكن للشخص الخجول أن يراقب الآخرين الذين يتصرّفون بشكل طبيعي، ويسعى إلى تقليدهم، من خلال اكتساب مهارات التصرّف السليم، كما يستحسن له الانخراط أكثر في إقامة علاقات اجتماعية، والتواصل مع الآخرين والابتعاد قدر الإمكان عن حالة العزلة التي يفرضها الخجل.
وفي النهاية لا بد من التمييز بين هاتين الحالتين في المجتمع، من أجل مساعدة الخجول لبناء شخصية سليمة، قوية وواثقة بمحيطها، ومن أجل الثناء على من يتمتّع بالحياء، لأنه في الحياء إحياء للدين، ومساهمة في بناء مجتمع سليم.
ماجدة ريا ـ 13/2/2009
عدد الزوار:2802