
وعام آخر ينصرم، يلحق بأسلافه، نودّع معه جزء من أعمارنا، ويضاف إلى مساحة الذاكرة.
نغمض أعيننا في لحظاته الأخيرة، فتُستعرض معه كل السنوات، ونعجب كيف لسنوات طويلة تمر بنا كشريط سريع، نراه في مخيّلتنا الخصبة، ونستمع إلى رنين موسيقاه بفرحها وحزنها، بشجوها، بحلوها ومرها، بالإنجازات والإخفاقات، وكلما تقدّم بنا العمر، تزداد وطأة هذه الحياة ثقلاً، ونحن نعبرها كسفينة صغيرة تعبر لجّة المحيط.
نتوقّف قليلاً لنلتقط أنفاسانا المتقطّعة، ونملأ رئتينا بهواء الاستبشار النظيف.
هي الحياة تسير بنا مسرعة، وعلى وقع خطى العصر السريع، تتلاحق أحداثها، ويسرع هدير أيامها، ونجري خلفها أو معها، ونقترب من حافة الرحيل، عندما نصل إلى نقطة تغمرنا فيها الأمواج فنغيب.
من يدري؟ أبعيدة هي أم قريبة؟ لكنها موجودة لا محالة، ونحن ذاهبون باتجاهها بكل قوانا، نجذّف بقوة، نتمسك بقاربنا الصغير، نتشبّث بالآمال العريضة، ونبقى نسير باتجاه محتوم، لا مفرّ منه أبدا.
في لحظة غياب عام آخر من أعمارنا، لا بدّ أن نستذكر الغياب الطويل الذي نسير باتجاهه، وعندها يكون لمحاسبة النفس مذاق آخر، ولطعم تجاربنا عنوان آخر، حتى نستشعر الولادة الجديدة مع ولادة العام الجديد.
أهي لحظة حزن؟ أم سعادة؟ أم يختلط فيها الأمران كما يختلط كل شيء في هذه الحياة؟ ونبقى في جدّنا الحثيث بالفصل والتمحيص كما هو دأب البشر، ويبقى الإنسان خليطاً من هذا وذاك، إلى أن يعبر قنطرة الدنيا نحو الحياة الأبدية، فتنتهي حكايته، ويولد حيث الخلود.
مع نهاية هذا العام، أتمنى لنفسي، لعائلتي، لأصدقائي ولجميع البشر العمر المديد، وحياة الطمأنينة والسكينة المملوءة بالإيمان والرحمة والمحبة والسلام.
ماجدة ريا
عدد الزوار:1691