حشد كانون شعلته، وأتى بكل خيوله لتصهل في السماء؛ جاء الغيم المتشرّد من كل مكان، وتكتل مزمجراً معلناً زمن الهطول، ثلجاً أو مطراً، يناغي بعضه بعضاً، يتغامز فوق البيوت والأحياء، يرشح منه نور باهت، يدغدغ الأوصال.
ماتت كل التكهنات، ومضى يؤلف حكايته المعهودة، دعوني أمطر كيفما أشاء، أزين الجبال بوشاحي الأبيض، وأهدهد الأغصان العارية، وأتسلل إلى وجنات الأرض، أرشّ عليها من عطري، أشبعها بالحياة.
تجردت من ذاتي، وطلبت من الغيم أن يحملني معه في رحلة العبور، رميت كل الأثقال، وتخفّفت من وزني، حتى اقتنع، ها أنا ذا فوق غيمة عابرة، تطوف فوق الوهاد والوديان، تحلّق في عالم الزمان، وترتجف مع هبات الريح، سابحة في الفضاء.
هناك، فوق السحاب، وجدت قصري، مبنياً من الضباب، موشّحاً بالسكون، لا يصل إليه العابرون، نوافذه تطل على الكون الفسيح، وتتدلّى منه الأراجيح، لاذت به الطيور هرباً من حبّات المطر التي تحولت إلى بَرَد يثقل أجنحتها الصغيرة، أدخل غرفه الباردة، لأستشعر صقيع كانون، هنا الحياة كما هي لم تعبث فيها أيادي البشر..
الشمس توارت ولم يبق سوى نورها المرسل عبر ذرّات الضباب، تتحقّق من عمر الغياب.
الدروب غدت موحشة إلا من سباع الغاب، والعتمة تتسربل من حولها بجلباب مريب، تصل إلى مسامعها موسيقى آتية من مكان بعيد، نبض وحلم و…عيد، ورقصة فوق الغيم تمزّق الأوتار.
هناك حول موقدة العمر تآلف الجنون، واحتفل الناس بعمر يتسرب، وغدت طلائعهم كيوم الحشر، حول أحلامهم مبعثرون، يطوفون ثملين بأفراحهم وأتراحهم، يناجون ملائكة الرحمن.
فلنهبط إلى الأرض بسلام، نادت غيمتها، معلنة انتهاء رحلتها بسلام.
ماجدة ريا